النقد مرآة الأدب .. هو انعكاس الضوء على صفحة بحره العميق .. وهنا في موقعي .. أضع بعض اعمالي النقدية لعدد من الإبداعات العربية المختلفة .. بالإضافة الى بعض كتاباتي الخاصة.... رحاب الخطيب

اهلا وسهلا بكم في موقع مرآة النقد

الموقع باللغة الانجليزية

  

Web site in English    من العربية إلى الإنجليزية

إسقاطات الطبيعة في شعرالشاعر البحريني الكبير : ابراهيم العريض


إسقاطات الطبيعة عند العريض
من خلال قصيدته (في سكون الليل)


بقلم : رحاب فارس الخطيب


في سكون الليل ... وماذا هنالك في سكون ليل يغفو الكون فلا من ساهر الا ما يكون من الصبا العذبة الرقيقة ! قصيدة في سكون الليل للشاعر البحريني ابراهيم العريض الذي ترك بصمة جلية في سماءالشعرالخليجي ,والتي تجلت عن شاعر مرهف المشاعر عذب الصور والخيالات ، قصيدة تدغدغ مشاعر القارىء لتحلق به ليحيا لحظة سكون الليل وهدوئه الناعم الرقيق . فالقصيدة من القصائد التي نقرؤها فنعيد قرأتها ونحفظها لأننا نشعر بأننا في حاجة لذلك الارتياح
الذي كسانا ونحن نحيا صورها من لحظة غفوة الكون حتى نخلد من العمر ساعة مع الحبيب يدا بيد في نجوى وتهامس شاعرنا بدا قصيدته :

غفا الكون...الا ما يكون من الصبا
اذا حركت مهد الزهور النواعس
تخالينها -يا مي- طهرا مجسما
على كل غصن في الخميلة مائس


فالكون جميعه قد غفا وصار في سبات عميق إلا نسائم عذبة رقيقة تهدهد مهد الزهور النواعس .
صورة أرق من النسيم لتعبر عن حالة الهدوء الحالم الذي ينثر ستاره على المكان .
فالطهر مجسماً على كل غصن من الأغصان التي تتمايل الهوينى فتظهر بصورة ناعسة


ويحبس من أنفاسها الليل ريثما
يخالطها برد الندى المتقارس
فترسل طيبا حولها في دوائر
تدور إلى ان يغمر الطيب هاجسي
وقد سكنت حتى المياه كأنها
هناك تصغي في الظلام لهامس


والليل هنا يحبس النسمات الرقيقة من مداعبة الزهور فتجد برد الندى يحركها فترسل رائحة طيبة تنشر دوائر تدور فتغمر هاجسي فأحلق في افكاري..كثيرا ما ترتبط الذكريات بنسيم او رائحة تحرك ذكرى سكنت في داخلنا لنحيا ذلك الشعور وفي صورة شاعرنا ما يجسد هذا ببراعة وقدرة على التصوير الدقيق المعبر عما نحس او نتذكر. والهدوء يخيم على المكان وهنا الصمت له صوت يهمس ويناجي وهذه صورة عذبة جميلة.

يصقلها مر النسيم فتنجلي
بها صور الاشياء تبدو رواكس
وينظر في مرآتها النجم حائرا
فليس يرى الا شرارة قابس


فالنسيم المحرك للذكريات يمر فيصقل الذكرى فنتخيل صورا تعكس مافي داخلنا لتكون كالمرآة لما نطمح ونحب.

ولا طير إلا وهو طاوٍ جناحه
على الرأس حتى المنكبين..كبائس
تخالينه من لفه الجيد ناعسا
ولكنه - يا مي- ليس بناعس

فالطائر الطاوي جناحه استوقف الشاعر في هذه الليلة الحالمة فهو ليس بناعس ويبدو كالبائس لكنه يشعر بالحنين لألحان شدا بها تعود به لذكريات تركت اثرها في قلبه.

فإن لذكرى كل لحن شدا به
سحابة يوم هزه في المغالس
تؤرقه تلك الهواجس موهنا
فيشفق من جراء تلك الهواجس


فالهواجس تؤرقه فيشعر بالضعف والحنين لموقف مر به ورحل ليترك ألماً أو حزناً باقٍ في قلبه وعقله لا ينسى , فالذكريات تؤثر فينا فتشغل طاقات كامنة تؤثر في لحظتنا ومستقبلنا فنحقق ما نصبو اليه , أو انها تصيبنا بالوهن والضعف فتؤرقنا فنركن إلى اليأس والحزن كما وجدناه عند طائرنا المثقل بالذكريات المؤلمة فيبدو كبائس. أما في حديثه عن الصورة الاخيرة التي وصف بها الروض الرائع الجمال فقال فيه:

وكم دوحة في الروض حال سوادها
بأنوار بدر شع بين المغارس
ليلبسها من نسجه بعد عريها
لجيني السنا كالعرائس

فالرياض الغناء الجميلة تشع بأنوار البدر البراقة لتلبس ثوباً رائع الحسن من الضياء فتكتسي بعد العري وهذه صورة جميلة نتصور بها الطبيعة الخلابة التي عاشها شاعرنا فنشعر بقرب المشهد من نفوسنا وعقولنا فنغدو وكأننا نحيا المشهد ليعزف لحناً دافئاً يحرك ما كمن في مشاعرنا لنشعر بالإرتياح بعد شعورنا بتعب الطائر وألمه النفسي وما ذلك الا ألم القائل والذي يسقطه على الطائر الحزين الذي يحتاج للحظة راحة وأمل في الحياة يحتاجها هو نفسه فيبحث عنها ليجدها في صورة الروض العاري الذي اكتسى بضياء البدر ليعبر عن حالة الأمل والتجدد بمستقبل افضل يريد أن يحياه ، وفي نهاية قصيدتنا نجد شاعرنا يطلب من المحبوبة التي خاطبها مرتين في القصيدة ووجه كلامه إليها بأسلوب رقيق لطيف.
فالشاعر لا يكتفي بالوصف بل مناجاة إنسان غائب لكنه قريب من القلب بأسلوب اقرب للحوار فنسرح في تخيل مشاعر عذبة غاية في الرقة تضيف جمالاً للقصيدة وتشويقاً سجله الشاعر فقال :

وتحت شعاع البدر أسفرت المنى
وعاينتها تحنو حنو الأوانس
تعالي هنا..نخلد من العمر ساعة
يداً بيدٍ في نجوة وتهامس


طلب الشاعر من المحبوبة بهذا الأسلوب الرقيق أشعرنا براحة بعد طول عناء، فتعالي نسكن ساعة راحة وهدوء نسند بعضنا يداً بيد نحقق ما نصبو ونأمل متحابين لنصل إلى مانريد..قصيدة رائعة تلمسنا فيها عمق التعب والألم الذي أراد الشاعر أن نتلمسه فشعرنا بتعب ويأس ثقيلين, وعند تلك اللحظة انتشلنا من تلك الحالة المرهقة وأعطانا بريق أمل لنخطوخطوتنا الأولى نحو الأمل والحياة وما ذلك إلا ليعبر عن شاعر رقيق المشاعر دافئ الإحساس عاش حياة مليئة بالأحداث والمشاهد والمواقف التي أثرت في شعره وصوره غريبة تنم عن خصب خيال وشاعرية الشاعر ابراهيم العريض الذي عاش حياة أثرت الطبيعة الخلابة -الهند- التي قضى طفولته وصباه فيها فحلقت بخياله ونسجت صوراً غاية في الجمال.
جاءت القصيدة عميقة المعاني تدل على معانٍ أبعد نتلمسها من خلال ما حملته من إسقاط ما في النفس على الطبيعة فكانت الصورة أبلغ ووقعها في النفس أعظم .
قصيدتنا ذات تفعيلة, رمزية تعبر عن مدى قدرة الشاعر على التجديد في شكل ومضمون القصيدة العربية العمودية , فهو بحق من أوائل المجددين معاصري بدر شاكر السياب والأعلام الأوائل ...