النقد مرآة الأدب .. هو انعكاس الضوء على صفحة بحره العميق .. وهنا في موقعي .. أضع بعض اعمالي النقدية لعدد من الإبداعات العربية المختلفة .. بالإضافة الى بعض كتاباتي الخاصة.... رحاب الخطيب

اهلا وسهلا بكم في موقع مرآة النقد

الموقع باللغة الانجليزية

  

Web site in English    من العربية إلى الإنجليزية

المفتاح .. وموسم اللوز .. ( قصة قصيرة )






بقلم : رحاب فارس الخطيب


صرخات مدوية هنا وهناك .. استيقظت فاطمة على أصوات إطلاق الرصاص . الناس خائفون يصرخون .. يستنجدون بأهل القرى المجاورة …
ماذا يجري ؟؟
دير ياسين .. نساؤها تصرخ .. شيء ما يحصل في القرية لا تدري فاطمة ما هو ..!
قامت من فراشها ونظرت من النافذة فوجدت أهل القرية يتراكضون هنا وهناك … اليهود هجموا على دير ياسين .. ماذا تفعل ؟؟ زوجها ليس في البيت .. ووالد زوجها مع الثوار في الجبال .. الأصوات تتوالى : اليهود هجموا على دير ياسين ..! وسيهجمون على القرى المجاوره ..
خافت على بناتها الثلاث .. توالت الصيحات .. أهل دير ياسين يذبحون .. هجم عليهم الصهاينة وذبحوهم .. هكذا وصلت إليهم الأخبار ..ورأت فاطمة أهل قريتها يقررون مغادرة منازلهم مؤقتاً ..
خافت فاطمة على بيتها الجديد الذي لم تسكنه بعد .. أمسكت بمفتاح البيت واحتضنته بقوة .. وانضمت مع بناتها إلى سكان القرية.. الذين غادروها ليلاً .. وهم لا يملكون إلا ما عليهم من الثياب ..افترشوا الأرض .. وتلحفوا السماء ..
ماذا يجري ؟؟ كانت فاطمة تسأل هنا وهناك .. لكن ما من مجيب ..
مرت أيام .. وعرفوا بما جرى لقرية دير ياسين .. وما جرى لستة من أهل قريتها الذين لم يغادروا القرية .. فقد ذبحوا كالخراف ..!
انطلقت فاطمة وعائلتها إلى أريحا قرب منطقة الأغوار ..وهكذا أصبحت فاطمة بلا مأوى ..
شدت يدها على المفتاح .. كانت تخاف عليه من الضياع .. وتتذكر دائما البيت .. العطر الذي كانت ترشه بسخاء في غرف البيت .. ثيابها الأنيقة .. فهي تهوى الثياب .. أما الآن فهي ترتدي ثوبا رثا حصلت عليه من صاحبة المكان الذي آواهم.. وها هي تعمل مع زوجها في قطف الموز !
..بعد شهرين توفي والد زوجها .. قهرا وألماً بعد أن فقد كل ما يملك ..وبعد أن ترك أراض شاسعة ورثها واشترى أخرى على مر الأيام .. بعمله وجهده ..أما الآن فقد اختفى كل شيء ..
ماذا سيحصل ؟ الكل يقول إنها فترة مؤقته .. وبعدها سنعود لبيتنا وأراضينا ..لنقطف اللوز .. فهذا هو موسم اللوزيات .. والآن تنتشر رائحة زهر اللوز في الحقول ..
فاطمة خائفه على بناتها وهي حامل .. وكانت تردد دائما : لا لن يتركنا العرب وحدنا ..!
مرت الليالي كسلحفاة تتنزه في حقل كبير .. وبعد أشهر من الألم والمرارة وعدم معرفة ماذا جرى ؟ وماذا سيحصل ..أنجبت فاطمة ولداً .. لوكنا في بيتنا وقريتنا لقمنا بعمل مولد دعونا إليه جميع أهل القرية .. فهو ولد جاء بعد ثلاث بنات ..!
بكت فاطمة كثيراً .إنها متعبة وتشعر بالألم .. ورقدت في الفراش .. إنها الملاريا اللعينة !
أصيبت فاطمة بالملاريا ستة أشهر ..فقد انتشر المرض بين المهاجرين .. ونصحها أكثر من شخص : اذهبوا إلى المناطق الصحراوية ..فهي خاليه من مصادر المياه ولا يوجد فيها ملاريا ..وستقدم لكم وكالة الغوث مساعدات تقدم لمن يصل ..المغريات كثيرة .. وهكذا قررت عائلة فاطمة الذهاب مع اللاجئين على أن يعودوا إلى بيتهم بعد شهر أو اثنين
حزمت فاطمة ما لديهم من ملابس رثة .. وسافرت مع عائلتها ..إلى منطقة خالية .. أصيبت بالدهشة عندما شاهدتها ..أين البيوت ؟ أين الناس ؟ ..
الصحراء تمتد كامتداد السماء .. أين ستسكن ؟ ماذا سنفعل ؟ ..تذكرت بيتها الجديد في القرية .
لا لن أخاف عليه .. فمفتاحه قلادة في عنقي ..سأحضنه دائما كي لا يضيع ..
الليل خلع عليهم ستار .. عويل الذئاب في كل مكان ..والخيمة لا تكاد تمنع برد الليل من التغلغل في أجساد الصغار ..صارت هي وزوجها ينامان بالتناوب .. هي فترة قصيرة وسنعود للوطن ..لكن فاطمة لم تكن تدري ما تخبئه لها الأيام ..
كانت الخيام التي تبرعت بها ( الانروا ) .. تمتد لتشكل مخيما .. الخيام متشابهة والجميع سواء .وها هم الآن وسط صحراء ممتدة عبر الأفق
هجمات البدو عليهم ليلاً تخيفهم وعويل الذئاب .. والخوف من المجهول ..
إلى أين جئنا ؟ وماذا حصل لنا ؟ ماذا سنفعل ؟
الخيام أخذت شيئاً فشيئاً تتحول إلى بيوت إسمنتية .. تحيط بها مزروعات بسيطة .. ورود .. وأشجار .. وكبرت الأشجار أصبحت بستناناً صغيراً حول منزل فاطمة ..متى ستعود إلى الوطن ؟؟
بُنيت المدارس أقيمت المساجد .. وأصبح المخيم مدينة تضم المهاجرين من كل الوطن ..
الأطفال كبروا .. وتعلموا .. وحولوا الصحراء إلى مدنٍ كبيرة ..
أنجبت فاطمة أربعة عشرة ولداً وبنتاً ..جميعهم انهوا دراساتهم الجامعية .. وانتشروا في دول مختلف .. والوطن أصبح ذكرى بعيدة .. مقدسة .. مفرحة .. مؤلمة ..تخنق فاطمة كلما تذكرت موسم اللوز وكلما حضنت مفتاح بيتها .. هناك في الوطن ..
وتوفيت فاطمة قبل ست سنوات وهي تحضن مفتاح بيتها الجديد الذي لم تسكنه بعد هناك في الوطن .. 2001


( ملاحظة : القصة حقيقية وفاطمة هي والدتي رحمها الله )